يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (183) أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون (184) شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون (185) وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون (186) أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون (187)
] فريضة الصيام على المسلمين
التحليل اللفظي
{ الصيام } : الصم في اللغة : الإمساك عن الشيء والترك له ، يقال : صامت الخيل إذا أمسكت عن السير ، وصامت الريح إذا أمسكت عن الهبوب .
قال الراغب : الصوم : الإمساك عن الفعل مطعما كان أو كلاما أو مشيا ، ولذلك قيل للفرس الممسك عن السير أو العلف صائم ، قال الشاعر :
خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
أي خيل ثابتة ممسكة عن الجري ، أو ممسكة عن الطعام ، وقال آخر :
حتى إذا صام النهار واعتدل ... وسال للشمس لعاب فنزل
قال أبو عبيدة : كل ممسك عن طعام ، أو كلام ، أو سير فهو صائم .
وفي الشرع : هو الإمساك عن الطعام ، والشراب ، والجماع ، مع النية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس . وكماله باجتناب المحظورات ، وعدم الوقوع في المحرمات .
{ فعدة } : قال الراغب : العدة هي الشيء المعدود ، ومنه قوله تعالى { وما جعلنا عدتهم } [ المدثر : 31 ] أي عددهم . والمعنى : عليه أيام عدد ما قد فاته من رمضان .
قال القرطبي : « والعدة فعلة من العد وهي بمعنى المعدود ، كالطحن بمعنى المطحون ، تقول : أسمع جعجعة ولا أرى طحنا ، ومنه عدة المرأة » .
{ أخر } : جمع أخرى ، أي أياما أخرى ، وهي ممنوعة من الصرف لأنها معدولة عن آخر على رأي الكسائي ، وعن الألف واللام على رأي سيبويه ، مثل : الصغر ، والكبر . وإنما أوثر هنا الجمع لأنه لو جيء به مفردا فقيل : عدة من أيام أخرى لأوهم أنه وصف لعدة فيفوت المقصود .
{ يطيقونه } : أي يصومونه بمشقة وعسر .
قال في « اللسان » : والإطاقة القدرة على الشيء ، وهو في طوقي أي وسعي ، وأطاق وإطاقة إذا قوي عليه .
وقال الراغب : والطاقة اسم لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة ، وشبه بالطوق المحيط بالشيء .
{ فدية } : الفدية ما يفدي به الإنسان نفسه من مال وغيره ، بسبب تقصير وقع منه في عبادة من العبادات ، وهي تشبه الكفارة من بعض الوجوه .
{ شهر } : الشهر معروف ، وأصله من الاشتهار وهو الظهور ، يقال : شهر الأمر أظهره ، وشهرالسيف استله ، وسمي الشهر شهرا لشهرة أمره ، لكونه ميقاتا للعبادات والمعاملات ، فصار مشتهرا بين الناس .
{ رمضان } : قال الراغب : رمضان هو الرمض أي شدة وقع الشمس ، والرمضاء شدة حر الشمس ، ورمضت الغنم : رعت في الرمضاء فقرحت أكبادنا . وسمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها .
قال الزمخشري : « لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة ، سموها بالأزموة التي وقعت فيها ، فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فسمي رمضان » .
وقيل : إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحة .
{ الرفث } : الجماع ودواعيه ، قال الراغب : الرفث : كلام متضمن لما يستقبح ذكره من ذكر الجماع ودواعيه ، وقد جعل كناية عن الجماع في قوله تعالى : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسآئكم } تنبيها إلى جواز دعائهن إلى ذلك ومكالمتهن فيه .
وأصل الرفث : قول الفحش ثم كني به عن الجماع قال الشاعر :
ويرين من أنس الحديث زوانيا ... وبهن عن رفث الرجال نفار
قال ابن عباس : الرفث هو الجماع ، إن الله عز وجل كريم حليم يكني .
{ تختانون } : الاختيان من الخيانة ، كالاكتساب من الكسب ، ومعناه : مراودة الخيانة .
قال في « اللسان » : خانه واختانه ، والمخانة مصدر من الخيانة وهي ضد الأمانة قال الشاعر :
يتحدثون مخانة وملاذة ... ويعاب قائلهم وإن لم يشغب
وسئل بعضهم عن السيف فقال : أخوك وإن خانك ، وكل ما غيرك عن حالك فقد تخونك .
قال الراغب : الخيانة مقابل الأمانة ، والاختيان : مراودة الخيانة ، ولم يقل : ( تخونون أنفسكم ) لأنه لم تكن منهم الخيانة بل كان منهم الاختيان ، وهو تحرك شهوة الإنسان للوقوع في الخيانة .
{ عاكفون } : العكوف والاعتكاف أصله اللزوم ، يقال : عكفت بالمكان أي أقمت به ملازما قال تعالى : { لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى } [ طه : 91 ] وقال الشاعر :
فبات بنات الليل حولي عكفا ... عكوف البواكي بينهن صريع
وفي الشرع هو المكث في المسجد للعبادة بنية القربة لله تعالى .
{ حدود الله } : الحدود جمع حد ، والحد في اللغة : المنع ، ومنه سمي الحديد حديدا لأنه يمتنع به من الأعداء ، وسمي البواب حدادا لأنه يمنع من الدخول أو الخروج إلا بإذن ، وأحدث المرأة على زوجها إذا تركت الزينة وامتنعت منها .
قال الزجاج : « الحدود ما منع الله تعالى من مخالفتها ، فلا يجوز مجازوتها » .
المعنى الإجمالي
يخبر المولى جل وعلا أنه قد فرض الصيام على عباده المؤمنين ، كما فرضه على من سبقهم من أهل الملل ، وقد علل فرضيته ببيان فائدته الكبرى ، وحكمته العليا ، وهي أن يعد نفس الصائم لتقوى الله بترك الشهوات المباحة امتثالا لأمره تعالى ، واحتسابا للأجر عنده ، ليكون المؤمن من المتقين لله المجتنبين لمحارمه .
وهذا الصيام الذي فرضه الله على عباده ، إنما هو أيام معينات بالعدد ، وهي أيام رمضان ، ولم يفرض الله عليكم الدهر كله ، تخفيفا ورحمة بهم ، ومع هذه الرحمة في الصيام فقد شرع للمريض الذي يضره الصوم ، والمسافر الذي يشق عليه أن يفطرا ويقضيا أياما بقدر الأيام التي أفطرا فيها وذلك من التيسير على العباد والرحمة بهم ، ثم أخبر تعالى أن هذا الشهر الذي فرض عليهم صيامه هو شهر رمضان ، شهر ابتداء نزول القرآن ، الكتاب العظيم الذي أكرم الله به الأمة المحمدية ، فجعله دستورا لهم ، ونظاما يتمسكون به في حياتهم ، فيه النور ، والهدى ، والضياء ، وهو سبيل السعادة لمن أراد أن يسلك طريقها ، وقد أكد الباري صيام هذا الشهر ، لأنه شهر تنزل الرحمة الإلهية على العباد ، وأنه تعالى لا يريد بعباده إلا اليسر والسهولة ، ولذلك فقد أباح للمريض والمسافر الإفطار في أيام رمضان .
ثم بين تعالى أنه قريب ، يجيب دعوة الداعين ويقضي حوائج السائلين ، وليس بينه وبين أحد من العباد حجاب ، فعليهم أن يتوجهوا إليه وحده بالدعاء والتضرع ، حنفاء مخلصين له الدين .
وقد يسر تعالى على عباده وأباح لهم التمتع بالنساء في ليالي رمضان ، كما أباح لهم الطعام والشراب ، وقد كان ذلك من قبل محرما عليهم ، ولكنه تعالى أباح لهم الطعام والشراب ، والشهوات الجنسية من الاستمتاع بالنساء ، ليظهر فضله عليهم ، ورحمته بهم ، وقد شبه المرأة باللباس الذي يستر البدن ، فهي ستر للرجل وسكن له ، وهو ستر لها ، قال ابن عباس معناه « هن سكن لكم وأنتم سكن لهن » وأباح معاشرتهن إلى طلوع الفجر ، ثم استثنى من عموم إباحة المباشرة ، مباشرتهن وقت الاعتكاف لأنه وقت تبتل وانقطاع للعبادة ، ثم ختم تعالى هذه الآيات الكريمة بالتحذير من مخالفة أوامره ، وارتكاب المحرمات والمعاصي ، التي هي حدود الله ، وقد بينها لعباده حتى يجتنبوها ، ويلتزموا بالتمسك بشريعة الله ليكونوا من المتقين .
سبب النزول
1 - روى ابن جرير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال : « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر » ، ثم إن الله عز وجل فرض شهر رمضان ، فأنزل الله تعالى ذكره { ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } حتى بلغ { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } فكان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا ، ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام على الصحيح المقيم ، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم ، فأنزل الله عز وجل { فمن شهد منكم الشهر فليصمه . . . } .
2 - وروي عن سلمة بن الأكوع أنه قال « لما نزلت هذه الآية { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } كان من شاء منا صام ، ومن شاء أن يفطلر ويفتدي فعل ذلك ، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } .
3 - وروي أن جماعة من الأعراب سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أقريب ربنا فنناجيه؟ أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب . . . } الآية .
4 - وروي البخاري عن ( البراء بن عازب ) أنه قال : » كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر ، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي ، وإن ( قيس بن صرمة ) الأنصاري كان صائما ، وكان يعمل بالنخيل في النهار ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها : أعندك طعام؟ قالت : لا ، ولكن أنطلق فأطلب لك ، وكان يومه يعمل ، فغلبته عيناه فجاءته امرأته فلما رأته قالت : خيبة لك ، فلما انتصف النهار غشي عليه ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسآئكم } ففرحوا فرحا شديدا ، فنزلت { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } .
وجوه القراءات
1 - قرأ الجمهور ( وعلى الذين يطيقونه ) وقرأ ابن عباس ( يطوقونه ) بمعنى يكلفونه .
2 - قرأ الجمهور ( فدية طعام مسكين ) وقرأ نافع وابن عامر ( فدية طعام مساكين ) بجمع مساكين ، وإضافة ( فدية ) إلى ( طعام ) .
3 - قرأ الجمهور ( فمن تطوع ) على الماضي وقرأ حمزة والكسائي ( فمن تطوع ) بالجزم على معنى يتطوع ، وقرئ ( فمن يطوع ) على أنه مضارع .
4 - قرأ الجمهور ( ولتكملوا العدة ) بالتخفيف ، وقرأ أبو بكر عن عاصم ( ولتكملوا ) بالتشديد .
وجوه الإعراب
1 - قوله تعالى : { كما كتب على الذين من قبلكم } الكاف للتشبيه وهي صفة لمصدر محذوف و ( ما ) مصدرية ، والتقدير : كتب عليكم الصيام كتابة مثل كتابته على من قبلكم .
2 - قوله تعالى : { أياما معدودات } قال الزجاج : منصوب على الظرف كأنه قال : كتب عليكم في هذه الأيام والعامل فيه الصيام . قال العكبري : لا يجوز أن ينتصب على الظرف ، ولا على أنه مفعول به على السعة لأن المصدر إذا وصف لا يعمل ، والوجه أن يكون العامل محذوفا تقديره : صوموا أياما .
3 - قوله تعالى : { فعدة من أيام أخر } تقديره : فعليه عدة فيكون ارتفاع ( عدة ) على الابتداء والخير محذوف ، وأخر صفة لعدة لا ينصرف للوصف والعدل عن الألف واللام .
4 - قوله تعالى : { وأن تصوموا خير لكم } أن تصوموا في موضع مبتدأ و ( خير ) خبره والتقدير صيامكم خير لكم ، و { إن كنتم تعلمون } شرط حذف منه الجواب لدلالة ما قبله .
5 - قوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } الشهر منصوب على الظرف ، وكذلك الهاء في ( فليصمه ) ولا يكون مفعولا به ، لأنه يلزم حينئذ المسافر لأنه شهد الشهر ، قال الزمخشري : « المعنى فمن كان شاهدا أي حاضرا مقيما غير مسافر فليصم في الشهر ولا يفطر » .
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : أشارت الآية الكريمة إلى أن الصوم عبادة قديمة ، فرضها الله على الأمم قبلنا ، ولكن أهل الكتاب غيروا وبدلوا في هذه الفريضة ، وقد كان يتفق في الحر الشديد أو البرد الشديد ، فحولوه إلى الربيع وزادوا في عده حتى جعلوه خمسين يوما كفارة لذلك .
روى الطبري بسنده عن الدي أنه قال : « كتب على النصارى شهر - رمضان ، وكتب عليهم ألا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ، ولا أن ينكحوا النساء في شهر رمضان ، فاشتد على النصارى صيام رمضان ، وجعل يقلب عليهم في الشتاء والصيف ، فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف ( يعني الربيع ) وقالوا : نزيد عشرين يوما نكفر بهما ما صنعنا فجعلوا صيامهم خمسين » .
اللطيفة الثانية : قوله تعالى : { فعدة من أيام أخر } قال ابن العربي : هذا القول من لطيف الفصاحة لأن تقديره : فأفطر فعدة من أيام أخر ، فحذف الشرط والمضاف ثقة بالظهور .
اللطيفة الثالثة : بين المولى جل ثناؤه أن الصوم يورث التقوى { لعلكم تتقون } وهذا تقليل لفريضة الصيام ببيان فائدته الكبرى ، وحكمته العليا ، وهو أنه يعد نفس الصائم لتقوى الله بترك شهواته الطبيعية المباحة ، امتثالا لأمره واحتسابا للأجر عنده ، فتتربى بذلك إرادته على ملكة التقوى بترك الشهوات المحرمة ، فالصوم يكسر شهوة البطن والفرج ، وإنما يسعى الناس لهذين ، كما قيل في المثل السائر : ( المرء يسعى لغاريه : بطنه ، وفرجه ) .
اللطيفة الرابعة : قال القفال رحمه الله : « انظروا إلى عجيب ما نبه الله عليه من سعة فضله ورحمته في هذا التكليف ، فقد نبه إلى ما يلي :
أولا : أن لهذه الأمة في شريعة الصيام أسوة بالأمم المتقدمة .
ثانيا : أن الصوم سبب لحصول التقوى ، فلو لم يفرض لفات هذا المقصود الشريف .
ثالثا : أنه مختص بأيام معدودات ، فإنه لو جعله أبدا لحصلت المشقة العظيمة .
رابعا : أنه خصه من بين الشهور بالشهر الذي أنزل فيه القرآن ، لكونه أشرف الشهور .
خامسا : إزالة المشقة في إلزامه - فقد أباح تأخيره لمن يشق عله من المسافرين والمرضى ، فهو سبحانه قد راعى في فريضة الصيام هذه الوجوه من الرحمة ، فله الحمد على نعمه التي لا تحصى .
اللطيفة الخامسة : أفاد قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية } أن الشيخ الكبير والمرأة العجوز يجوز لهما الإفطار مع الفدية ، والعرب تقول : أطاق الشيء إذا كانت قدرته في نهاية الضعف ، بحيث يتحمل به مشقة عظيمة ، وهو مشتق من الطوق وعليه قول الراغب : الطاقة اسم لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة ، وذلك تشبيه بالطوق المحيط بالشيء ، وقوله تعالى : { ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } [ البقرة : 286 ] أي ما يصعب علينا مزاولته .
والطاقة : اسم لمن كان قادرا على الشيء مع الشدة والمشقة ، والوسع : اسم لمن كان قادرا على الشيء على وجه السهولة ، فتنبه له فإنه دقيق .
اللطيفة السادسة : قوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } المراد شهود الوقت لا شهود رؤية الهلال ، إذ قد لا يراه إلا واحد أو اثنان ويجب صيامه على جميع المسلمين ، و ( شهد ) بمعنى حضر ، وفيه إضمار أي من شهد منكم الشهر مقيما غير مسافر ولا مريض فليصمه ، ووضع الظاهر موضع الضمير للتعظيم والمبالغة في البيان ، أفاده أبو السعود .
اللطيفة السابعة : قوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } هذه الآية فيها من المحسنات البديعية ما يسمى ( طباق السلب ) وهي أصل في الدين ومنها أخذ الفقهاء القاعدة الأصولية ( المشقة تجلب التيسير ) فالله تبارك وتعالى لا يريد بتشريعه إعنات الناس ، وإنما يريد اليسر بهم وخيرهم ومنفعتهم .
اللطيفة الثامنة : قال العلامة الزمخشري قوله تعالى : { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون } أي شرع ذلك يعني جملة ما ذكر ، من أمر الشاهد بصوم الشهر ، وأمر المريض والمسافر بمراعاة عدة ما أفطر فيه ، ومن الترخيص في إباحة الفطر ، فقوله : { ولتكملوا } علة الأمر بمراعاة العدة ، ( ولتكبروا ) علة ما علم من كيفية القضاء والخروج عن عهدة الفطر { ولعلكم تشكرون } علة الترخيص والتيسير ، وهذا نوع من اللف والنشر ، لطيف المسلك ، لا يكاد يهتدي إلى تبينه إلا النقاب المحدث من علماء البيان .
اللطيفة التاسعة : عبر المولى جل وعلا عن المباشرة الجنسية التي تكون بين الزوجين بتعبير سامى لطيف ، لتعليمنا الأدب في الأمور التي تتعلق بالنساء { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } فالتعبير على طريقة الاستعارة والمراد اشتمال بعضهم على بعض لما تشتمل الملابس على الأجسام .
قال الإمام الفخر : « لما كان الرجل والمرأة يعتنقان ، فيضم كل واحد منهما جسمه إلى جسم صاحبه ، حتى يصير كل واحد منهما لصاحبه كالثوب الذي يلبسه ، سمي كل واحد منهما لباسا » .
اللطيفة العاشرة : قوله تعالى : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } .
قال الشريف الرضي : « هذه استعارة عجيبة ، والمراد بها حتى يتبين بياض الصبح من سواد الليل ، والخيطان هاهنا مجاز ، وإنما شبهها بذلك لأن بياض الصبح يكون في أول طلوعه مشرقا خافيا ، ويكون سواد الليل منقضيا موليا ، فهما جميعا ضعيفان ، إلا أن هذا يزداد انتشارا وهذا يزداد استسرارا » .
روي أنه لما نزلت الآية « قال ( عدي بن حاتم ) أخذت عقالين : أبيض ، وأسود فجعلتهما تحت وسادتي ، وكنت أقوم من الليل فأنظر إليها ، فلم يتبين لي الأبيض من الأسود ، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فضحك وقال : » إنك لعريض القفا ، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل « .
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل فرض على المسلمين صيام قبل رمضان؟
يدل ظاهر قوله تعالى : { أياما معدودات } على أن المفروض على المسلمين من الصيام إنما هو هذه الأيام ( أيام رمضان ) وإلى هذا ذهب أكثر المفسرين ، وهو مروي عن ابن عباس والحسن ، واختاره ابن جرير الطبري .
وروي عن قتادة وعطاء أن المفروض على المسلمين كان ثلاثة أيام من كل شهر ، ثم فرض عليهم صوم رمضان ، وحجتهم أن قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية } يدل على أنه واجب على التخيير ، وأما صوم رمضان فإنه واجب على التعيين ، فوجب أن يكون صوم هذه الأيام غير صوم رمضان .
واستدل الجمهور بأن قوله تعالى : { كتب عليكم الصيام } مجمل يحتمل أن يكون يوما أو يومين أو أكثر من ذلك فبينه بعض البيان بقوله : { أياما معدودات } وهذا أيضا يحتمل أن يكون أسبوعا أو شهرا ، فبينه تعالى بقوله : { شهر رمضان } فكان ذلك حجة واضحة على أن الذي فرضه على المسلمين هو شهر رمضان .
قال ابن جرير الطبري : « وأولى الأقوال بالصواب عندي قول من قال : عنى جل ثناؤه بقوله : { أياما معدودات } أيام شهر رمضان ، وذلك أنه لم يأت خبر تقوم به حجة بأن صوما فرض على أهل الإسلام غير صوم شهر رمضان ثم نسخ بصوم رمضان ، لأن الله تعالى قد بين في سياق الآية أن الصوم الذي أوجبه علينا هو صوم شهر رمضان دون غيره من الأوقات ، بإبانته عن الأيام التي كتب علينا صومها بقوله : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } فتأويل الآية كتب عليكم أيها المؤمنون الصيام ، كما كتب على من قبلكم لعلكم تتقون ، أياما معدودات هي شهر رمضان » .
الحكم الثاني : ما هو المرض والسفر المبيح للإفطار؟
أباح الله تعالى للمريض والمسافر الفطر في رمضان ، رحمة بالعباد وتيسيرا عليهم ، وقد اختلف الفقهاء في المرض المبيح للفطر على أقوال :
أولا - قال أهل الظاهر : مطلق المرض والسفر يبيح للإنسان الإفطار حتى ولو كان السفر قصيرا والمرض يسيرا حتى من وجع الإصبع والضرس ، وروي هذا عن عطاء وابن سيرين .
ثانيا - وقال بعض العلماء إن هذه الرخصة مختصة بالمريض الذي لو صام لوقع في مشقة وجهد ، وكذلك المسافر الذي يضينه السفر ويجهده ، وهو قول الأصم .
ثالثا - وذهب أكثر الفقهاء إلى أن المرض المبيح للفطر ، هو المرض الشديد الذي يؤدي إلى ضرر في النفس ، أو زيادة في العلة ، أو يخشى معه تأخر البرء ، والسفر الطويل الذي يؤدي إلى مشقة في الغالب ، وهذا مذهب الأئمة الأربعة .
دليل الظاهرية :
استدل أهل الظاهر بعموم الآية الكريمة { فمن كان منكم مريضا أو على سفر } حيث أطلق اللفظ ولم يقيد المرض بالشديد ، ولا السفر بالبعيد ، فمطلق المرض والسفر يبيح الإفطار ، حكي أنهم دخلوا على ( ابن سيرين ) في رمضان وهو يأكل ، فاعتل بوجع أصبعه .
وقال داود : الرخصة حاصلة في كل سفر ، ولو كان السفر فرسخا لأنه يقال له : مسافر ، وهذا ما دل عليه ظاهر القرآن .
دليل الجمهور :
استدل جمهور الفقهاء على أن المرض اليسير الذي لا كلفة معه لا يبيح الإفطار بقوله تعالى في آية الصيام { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } فالآية قد دلت على أن الفرض من الترخيص .
المرض خفيفا والسفر قريبا فلا يقال إن هناك مشقة رفعت عن الصائم ، فأي مشقة من وجع الأصبع والضرس؟
الترجيح : أقول ما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح الذي يتقبله العقل بقبول حسن ، فإن الحكمة التي من أجلها رخص للمريض في الإفطار هي إرادة اليسر ، ولا يراد اليسر إلا عند وجود المشقة ، فأي مشقة في وجع الأصبع ، أو الصداع الخفيف والمرض اليسير ، الذي لا كلفة معه في الصيام؟ ثم إن من الأمراض ما لا يكون شفاؤه إلا بالصيام ، فكيف يباح الفطر لمن كان مرضه كذلك؟ ولم يكلفنا الله جل وعلا إلا على حسب ما يكون في غالب الظن ، فيكفي أن يظهر أن الصوم يكون سببا للمرض ، أو زيادة العلة ، أما الإطلاق فيه أو التضييق فأمر يتنافى مع إرادة اليسر بالمكلفين .
قال القرطبي : « للمريض حالتان : إحداهما - ألا يطيق الصوم بحال فعليه الفطر واجبا .
الثانية : أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة ، فهذا يستحب له الفطر ، ولا يصوم إلا جاهل وقال جمهور العلماء : إذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه ، أو يخاف تماديه ، أو يخاف زيادته صح له الفطر ، واختلفت الرواية عن مالك في المرض المبيح للفطر ، فقال مرة : هو خوف التلف من الصيام ، وقال مرة : هو شدة المرض ، والزيادة فيه ، والمشقة القادحة ، وهذا صحيح مذهبه وهو مقتضى الظاهر » .
الحكم الثالث : ما هو السفر المبيح للإفطار؟
وأما السفر المبيح للإفطار فقد اختلف الفقهاء فيه بعد اتفاقهم على أنه لا بد أن يكون سفرا طويلا على أقوال :
أ - قال الأوزاعي : السفر المبيح للفطر مسافة يوم .
ب - وقال الشافعي وأحمد : هو مسيرة يومين وليلتين ، ويقدر بستة عشر فرسخا .
ج - وقال أبو حنيفة والثوري : مسيرة ثلاثة أيام بلياليها ويقدر بأربعة وعشرين فرسخا .
حجة الأوزاعي :
أن السفر أقل من يوم سفر قصير قد يتفق للمقيم ، والغالب أن المسافر هو الذي لا يتمكن من الرجوع إلى أهله في ذلك اليوم ، فلا بد أن يكون أقل مدة للسفر يوم واحد حتى يباح له الفطر .
حجة الشافعي وأحمد :
أولا : أن السفر الشرعي هو الذي تقصر فيه الصلاة ، وتعب اليوم الواحد يسهل تحمله ، أما إذا تكرر التعب في اليومين فإنه يشق تحمله فيناسب الرخصة .
ثانيا : ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان » .
قال أهل اللغة : وكل بريد أربعة فراسخ ، فيكون مجموعة ستة عشر فرسخا .
ثالثا : ما روي عن عطاء أنه قال لابن عباس : أقصر إلى عرفة؟ فقال : لا ، فقال : إلى مر الظهران؟ فقال : لا ، ولكن أقصر إلى جدة ، وعسفان ، والطائف .
قال القرطبي : والذي في « البخاري » : « وكان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة برد ، وهي ستة عشر فرسخا » .
وهذا هو المشهور من مذهب مالك رحمه الله ، وقد روي عنه أنه قال : أقله يوم وليلة ، واستدل بحديث « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم » رواه البخاري .
حجة أبي حنيفة والثوري :
أولا : واحتج أبو حنيفة بأن قوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } يوجب الصوم ، ولكنا تركناه في ثلاثة الأيام للإجماع على الرخصة فيها ، أما فيما دونها فمختلف فيه فوجب الصوم احتياطيا .
ثانيا : واحتج بقوله عليه السلام : « يمسح المقيم يوما وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها » فقد جعل الشارع علة المسح ثلاثة أيام السفر ، والرخص لا تعلم إلا من الشرع ، فوجب اعتبار الثلاث سفرا شرعيا .
ثالثا : وبقوله عليه الصلاة والسلام : « لا تسافر امرأة فوق ثلاثة أيام إلا ومعها ذو محرم » فتبين أن الثلاثة قد تعلق بها حكم شرعي ، وغيرها لم يتعلق فوجب تقديرها في إباحة الفطر .
قال ابن العربي في تفسيره « أحكام القرآن » : « وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : » لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم « وفي حديث ( سفر ثلاثة أيام ) فرأى أبو حنيفة أن السفر يتحقق في أيام : يوم يتحمل فيه عن أهله ، ويوم ينزل فيه في مستقره ، واليوم الأوسط هو الذي يتحقق فيه السير المجرد ، فرجل احتاط وزاد ، ورجل ترخص ، ورجل تقصر » .
أقول : أمور العبادة ينبغي فيها الاحتياط ، ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم منع المرأة من السفر مسيرة ثلاثة أيام ، وثبت يوم وليلة وكلاهما في الصحيح ، لذا كان العمل بالثلاث أحوط ، فلعل ما ذهب إليه أبو حنيفة يكون أرجح والله أعلم .
الحكم الرابع : هل الإفطار للمريض والمسافر رخصة أم عزيمة؟
ذهب أهل الظاهر إلى أنه يجب على المريض والمسافر أن يفطرا ، ويصوما عدة من أيام أخرى ، وأنهما لو صاما لا يجزئ صومهما لقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } والمعنى : فعليه عدة من أيام أخر ، وهذا يقتضي الوجوب . وبقوله عليه السلام : « ليس من البر الصيام في السفر » وقد روي هذا عن بعض علماء السلف .
وذهب الجمهور وفقهاء الأمصار إلى أن الإفطار رخصة ، فإن شاء أفطر وإن شاء صام واستدلوا بما يلي :
1 - قالوا : إن في الآية إضمارا تقديره : فأفطر فعليه عدة من أيام أخر ، وهو نظير قوله تعالى : { فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت } [ البقرة : 60 ] والتقدير : فضرب فانفجرت ، وكذلك قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية } [ البقرة : 196 ] أي فحلق فعليه فدية والإضمار في القرآن كثير لا ينكره إلا جاهل .
ب - واستدلوا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر المستفيض أنه صام في السفر .
ج - وبما ثبت عن أنس قال : « سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ، فلم يعب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم » .
د - وقالوا : إن المرض والسفر من موجبات اليسر شرعا وعقلا ، فلا يصح أن يكونا سببا للعسر .
وأما ما استدل به أهل الظاهر من قوله عليه السلام « ليس من البر الصيام في السفر » فهذا وارد على سبب خاص وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يظلل والزحام عليه شديد فسأل عنه فقالوا : صائم أجهده العطش فذكر الحديث .
قال ابن العربي في تفسيره « أحكام القرآن » : « وقد عزي إلى قوم : إن سافر في رمضان قضاه ، صامه أو أفطره ، وهذا لا يقول به إلا الضعاء الأعاجم ، فإن جزالة القول ، وقوة الفصاحة ، تقتضي تقدير ( فأفطر ) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الصوم في السفر قولا وفعلا ، وقد بينا ذلك في شرح الصحيح وغيره » .
الحكم الخامس : هل الصيام أفضل أم الإفطار؟
وقد اختلف الفقهاء القائلون بأن الإفطار رخصة في أيهما أفضل؟
فذهب أبو حنيفة ، والشافعي ، ومالك إلى أن الصيام أفضل لمن قوي عليه ، ومن لم يقو على الصيام كان الفطر له أفضل ، أما الأول فلقوله تعالى : { وأن تصوموا خير لكم } وأما الثاني فلقوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } .
وذهب أحمد رحمه الله إلى أن الفطر أفضل أخذا بالرخصة ، فإن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه ، كما يحب أن تؤتى عزائمه .
وذهب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى أن أفضلهما أيسرهما على المرء .
الترجيح : وما ذهب إليه الجمهور هو الأرجح لقوة أدلتهم والله تعالى أعلم .
الحكم السادس : هل يجب قضاء الصيام متتابعا؟
ذهب علي ، وابن عمر ، والشعبي إلى أن من أفطر لعذر كمرض أو سفر قضاه متتابعا ، وحجتهم أن القضاء نظير الأداء ، فلما كان الأداء متتابعا ، فكذلك القضاء .
وذهب الجمهور إلى أن القضاء يجوز فيه كيف ما كان ، متفرقا أو متتابعا ، وحجتهم قوله تعالى : { فعدة من أيام أخر } فالآية لم تشترط إلا صيام أيام بقدر الأيام التي أفطرها ، وليس فيها ما يدل على التتابع فهي نكرة في سياق الإثبات ، فأي يوم صامه قضاء أجزأه .
واستدلوا بما روى عن أبي عبيدة بن الجراح أنه قال : « إن الله لم يرخص لكم في فطره وهو يريد أن يشق عليكم في قضائه ، إن شئت فواصل وإن شئت ففرق » .
الترجيح : والراجح ما ذهب إليه الجمهور لوضوح أدلتهم والله أعلم .
الحكم السابع : ما المراد من قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية } ؟
يرى بعض العلماء أن الصيام كان قد شرع ابتداء على التخيير ، فكان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وافتدى ، يطعم عن كل يوم مسكينا ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وهذا رأي الأكثرين واستدلوا لما رواه البخاري ومسلم عن ( سلمة بن الأكوع ) أنه قال : لما نزلت هذه الآية { وعلى الذين يطيقونه } كان من شاء منا صام ، ومن شاء أفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وهذا مروي عن ابن مسعود ، ومعاذ ، وابن عمر وغيرهم .
ويرى آخرين أن الآية غير منسوخة ، وأنها نزلت في الشيخ الكبير ، والمرأة العجوز ، والمريض الذي يجهده الصوم ، وهذا مروي عن ابن عباس .
قال ابن عباس : ( رخص للشيخ الكبير أن يفطر ، ويطعم عن كل يوم مسكينا ، ولا قضاء عليه ) .
وروى البخاري عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال ابن عباس : ليست بمنسوخة ، هي للشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة ، لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا .
وعلى هذا تكون الآية غير منسوخة ، ويكون معنى قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه } أي وعلى الذين يقدرون على الصوم مع الشدة والمشقة ، ويؤيده قراءة { يطوقونه } أي يكلفونه مع المشقة .
الحكم الثامن : ما هو حكم الحامل والمرضع؟
الحبلى والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على ولديهما أفطرتا ، لأن حكمهما حكم المريض ، وقد سئل الحسن البصري عن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما فقال : أي مرض أشد من الحمل؟ تفطر وتقضي .
وهذا باتفاق الفقهاء ، ولكنهم اختلفوا هل يجب عليهما القضاء مع الفدية ، أم يجب القضاء فقط؟
ذهب أبو حنيفة إلى أن الواجب عليهما هو القضاء فقط ، وذهب الشافعي وأحمد إلى أن عليهما القضاء مع الفدية .
حجة الشافعي وأحمد :
أن الحامل والمرضع داخلتان في منطوق الآية الكريمة { وعلى الذين يطيقونه فدية } لأنها تشمل الشيخ الكبير ، والمرأة الفانية ، وكل من يجهده الصوم فعليهما الفدية كما تجب على الشيخ الكبير .
حجة أبي حنيفة :
أولا : أن الحامل والمرضع في حكم المريض ، ألا ترى إلى قول الحسن البصري : أي مرض أشد من الحمل؟ يفطران ويقضيان ، فلم يوجب عليهما غير القضاء .
ثانيا : الشيخ الهرم لا يمكن إيجاب القضاء عليه ، لأنه إنما سقط عنه الصوم إلى الفدية لشيخوخته ومانته ، فلن يأتيه يوم يستطيع فيه الصيام ، أما الحامل والمرضع فإنهما من أصحاب الأعذار الطارئة المنتظرة للزوال ، فالقضاء واجب عليهما ، فلو أجبنا الفدية عليهما أيضا كان ذلك جمعا بين البدلين وهو غير جائز ، لأن القضاء بدل ، والفدية بدل ، ولا يمكن الجمع بينهما لأن الواجب أحدهما .
وقد روي عن الإمام أحمد والشافعي أنهما إن خافتا على الولد فقط وأفطرتا فعليهما القضاء والفدية ، وإن خافتا على أنفسهما فقط ، أو على أنفسهما وعلى ولدهما ، فعليهما القضاء لا غير .
الحكم التاسع : بم يثبت شهر رمضان؟
يثبت شهر رمضان برؤية الهلال ، ولو من واحد عدل أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما ، ولا عبرة بالحساب وعلم النجوم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما » .
فبواسطة الهلال تعرف أوقات الصيام والحج كما قال تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } [ البقرة : 189 ] فلا بد من الاعتماد على الرؤية ، ويكفي لإثبات رمضان شهادة واحد عدل عند الجمهور ، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : « تراءى الناس الهلال ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته ، فصام وأمر الناس بصيامه » وأما هلال شوال فيثبت بإكمال عدة رمضان ثلاثين يوما ، ولا تقبل فيه شهادة العدل الواحد عند عامة الفقهاء .
وقال مالك : لا بد من شهادة رجلين عدلين ، لأنه شهادة وهو يشبه إثبات هلال شوال ، لا بد فيه من اثنين على الأقل .
قال الترمذي : والعمل عند أكثر أهل العلم على أنه تقبل شهادة واحد في الصيام .
روى الدارقطني : أن رجلا شهد عند علي بن أبي طالب على رؤية هلال رمضان فصام وأمر الناس أن يصوموا ، وقال : أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان .
الحكم العاشر : هل يعتبر اختلاف المطالع في وجوب الصيام؟
ذهب الحنيفة والمالكية والحنابلة : إلى أنه لا عبرة باختلاف المطالع ، فإذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على بقية البلاد لقوله صلى الله عليه وسلم : « صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته » وهو خطاب عام لجميع الأمة ، فمن رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لهم جميعا .
وذهب الشافعية إلى أنه يعتبر لأهل كل بلد رؤيتهم ، ولا تكفي رؤية البلد الآخر ، والأدلة تطلب من كتب الفروع فارجع إليها هناك .
الحكم الحادي عشر : حكم الخطأ في الإفطار .
اختلف العلماء فيمن أكل أو شرب ظانا غروب الشمس ، أو تسحر يظن عدم طلوع الفجر ، فظهر خلاف ذلك ، هل عليه القضاء أم لا؟
فذهب الجمهور وهو مذهب ( الأئمة الأربعة ) إلى أن صيامه غير صحيح ويجب عليه القضاء ، لأن المطلوب من الصائم التثبت ، لقوله تعالى : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } فأمر بإتمام الصيام إلى غروب الشمس ، فإذا ظهر خلافه وجب القضاء .
وذهب أهل الظاهر والحسن البصري إلى أن صومه صحيح ولا قضاء عليه لقوله تعالى : { وليس عليكم جناح فيمآ أخطأتم به } [ الأحزاب : 5 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » وقالوا : هو كالناسي لا يفسد صومه .
الترجيح : وما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح لأن المقصود من رفع الجناح رفع الإثم لا رفع الحكم ، فلا كفارة عليه لعدم قصد الإفطار ، ولكن يلزمه القضاء للتقصير ، ألا ترى أن القتل الخطأ فيه الكفارة والدية مع أنه ليس بعمد ، وقياسه على الناسي غير سليم ، لأن الناسي قد ورد فيه النص الصريح فلا يقاس عليه والله أعلم .
الحكم الثاني عشر : هل الجنابة تنافي الصوم؟
دلت الآية الكريمة وهي { فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم . . . } الآية على أن الجنابة لا تنافي صحة الصوم ، لما فيه من إباحة الأكل والشرب والجماع من أول الليل إلى آخره ، مع العلم أن المجامع في آخر الليل إذا صادف فراغه من الجماع طلوع الفجر يصبح جنبا ، وقد أمر الله بإتمام صومه إلى الليل { ثم أتموا الصيام إلى الليل } فدل على صحة صومه ، ولو لم يكن الصوم صحيحا لما أمره بإتمامه .
وفي « الصحيحين » عن عائشة رضي الله عنها : « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا وهو صائم ثم يغتسل » فالجنابة لا تأثير لها على الصوم ، ويجب الاغتسال من أجل الصلاة .
الحكم الثالث عشر : هل يجب قضاء صوم النفل إذا أفسده؟
اختلف الفقهاء في حكم صوم النفل إذا أفسده هل يجب فيه القضاء أم لا؟ على مذاهب .
مذهب الحنفية : يجب عليه القضاء لأنه بالشروع يلزمه الإتمام .
مذهب الشافعية والحنابلة : لا يجب عليه القضاء لأن المتطوع أمير نفسه .
وذهب المالكية : أنه إن أبطله فعليه القضاء ، وإن كان طرأ عليه ما يفسده فلا قضاء عليه .
دليل الحنفية :
أ - قوله تعالى : { ثم أتموا الصيام إلى الليل } قالوا : فهذه الآية عامة في كل صوم ، فكل صوم شرع فيه لزمه إتمامه .
ب - قوله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } [ محمد : 33 ] والنفل الذي شرع فيه عمل من الأعمال ، فإذا أبطله فقد ترك واجبا ، ولا تبرأ ذمته إلا بإعادته .
ج - حديث عائشة أنها قالت : « أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين ، فأهدي إلينا طعام فأعجبنا فأفطرنا ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم بدرتني حفصة فسألته - وهي ابنة أبيها - فقال عليه السلام : صوما يوما مكانه » .
دليل الشافعية والحنابلة :
أ - قوله تعالى : { ما على المحسنين من سبيل } [ التوبة : 91 ] والمتطوع محسن فليس عليه حرج في الإفطار .
ب - حديث « الصائم المتطوع أمير نفسه ، إن شاء صام وإن شاء أفطر » .
الحكم الرابع عشر : ما هو الاعتكاف وفي أي المساجد يعتكف؟
قال الشافعي رحمه الله : الاعتكاف اللغوي : ملازمة المرء للشيء وحبس نفسه عليه ، برا كان أو إثما قال تعالى : { يعكفون على أصنام لهم } [ الأعراف : 138 ] .
والاعتكاف الشرعي : المكث في بيت الله بنية العبادة ، وهو من الشرائع القديمة قال الله تعالى : { وطهر بيتي للطآئفين والقآئمين } [ الحج : 26 ] وقال تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } ويشترط في الاعتكاف أن يكون في المسجد لقوله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } وقد وقع الاختلاف في المسجد الذي يكون فيه الاعتكاف على أقوال :
أ - فقال بعضهم : الاعتكاف خاص بالمساجد الثلاثة ( المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى ) وهي مساجد الأنبياء عليهم السلام ، واستدلوا بحديث : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد . . » الحديث وهذا قول سعيد بن المسيب .
2 - وقال بعضهم : لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الجماعة ، وهو قول ابن مسعود وبه أخذ الإمام مالك رحمه الله في أحد قوليه .
3 - وقال الجمهور : يجوز الاعتكاف في كل مسجد من المساجد لعموم قوله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } وهو الصحيح لأن الآية لم تعين مسجدا مخصوصا فيبقى اللفظ على عمومه .
قال أبو بكر الجصاص : « حصل اتفاق جميع السلف أن من شرط الاعتكاف أن يكون في المسجد ، على اختلاف منهم في عموم المساجد وخصوصها ، وظاهر قوله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } يبيح الاعتكاف في سائر المساجد لعموم اللفظ ، ومن اقتصر به على بعضها فعليه بإقامة الدليل ، وتخصيصه بمساجد الجماعات لا دلالة عليه ، كما أن تخصيص من خصه بمساجد الأنبياء لما لم يكن عليه دليل سقط اعتباره » .
وأما المرأة فيجوز لها أن تعتكف في بيتها لعدم دخولها في النص السابق :
الحكم الخامس عشر : ما هي مدة الاعتكاف وهل يشترط فيه الصيام؟
اختلف الفقهاء في المدة التي تلزم في الاعتكاف على أقوال :
أ - قلة يوم وليلة ، وهو مذهب الأحناف .
ب - أقله عشرة أيام ، وهو أحد قولي الإمام مالك .
ج - أقله لحظة ولا حد لأكثره وهو مذهب الشافعي .
ويجوز عند الشافعي وأحمد ( في أحد قوليه ) الاعتكاف بغير صوم .
وقال الجمهور ( أبو حنيفة ومالك وأحمد ) في القول الآخر : لا يصح الاعتكاف إلا بصوم . واحتجوا بما روته عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا اعتكاف إلا بصيام » .
وحديث « اعتكف وصم » وقالوا : إن الله ذكر الاعتكاف مع الصيام في قوله : { وكلوا واشربوا } إلى قوله : { وأنتم عاكفون في المساجد } فدل على أنه لا اعتكاف إلا بصيام .
قال الإمام الفخر : « يجوز الاعتكاف بغير صوم ، والأفضل أن يصوم معه وهو مذهب الشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز إلا بالصوم .
حجة الشافعي رضي الله عنه هذه الآية ، لأنه بغير الصوم عاكف ، والله تعالى منع العاكف من مباشرة المرأة » .
أقول : المشهور عند فقهاء الأحناف أنهم قسموا الاعتكاف إلى ثلاثة أقسام :
1- مندوب : وهو يتحقق بمجرد النية ويكفي فيه ولو ساعة .
2 - وسنة وهو في العشر الأواخر في رمضان .
3 - وواجب : وهو المنذور ولا بد فيه من الصوم .
والأدلة بالتفصيل تطلب من كتب الفروع .
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
1 - الصيام شريعة الله لجميع الأمم فرضه الله على جميع المسلمين .
2 - الصوم مدرسة روحية لتهذيب النفس وتعويدها على الصبر .
3 - إختار الله شهر رمضان لفريضة الصيام لأنه شهر القرآن .
4 - أهل الأعذار رخص الله لهم في الإفطار رحمة من الله وتيسيرا .
5 - لا يجوز تعدي حدود الله ولا تجاوز أوامره ونواهيه لأنها الخير البشرية .
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
مما لا شك فيه أن الصوم له فوائد جليلة ، غفل عنها الجاهلون فرأوا فيه تجويعا للنفس ، وإرهاقا للجسد ، وكبتا للحرية ، لا داعى له ولا مبرر ، لأنه تعذيب للبدن دون فائدة أو جدوى . . وعرف سر حكمته العقلاء والعلماء فأدركوا بعض فوائد وأسراره ، وأيدهم في ذلك الأطباء ، فرأوا في الصيام أعظم علاج ، وخير وقاية ، وأنجح دواء لكثير من الأمراض الجسدية ، التي لا ينفع فيها إلا الحمية الكاملة ، والانقطاع عن الطعام والشراب مدة من الزمان . ولسنا الآن بصدد معرفة ( الفوائد الصحية ) للصيام ، فإن ذلك مرجعه لأهل الاختصاص من الأطباء ، ولكننا بصدد التعرف على بعض الحكم الروحية التي هي الأساس لتشريع الصيام - فإن الله عز وجل ما شرع العبادات إلا ليربي في الإنسان ( ملكة التقوى ) وليعوده على الخضوع ، والعبودية ، والإذعان لأوامر الله العلي القدير .
الأمر الأول : فالصيام عبودية لله ، وامتثال لأوامره ، واتقاء لحرماته ، ولهذا جاء في الحديث القدسي : « كل عمل آدم له إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي » فشعور الإنسان بالعبودية لله عز وجل ، والاستسلام لأمره وحكمه ، وهو أسمى أهداف العبادة وأقصى غاياتها ، بل هو الأصل والأساس الذي ترتكز عليه حكمة خلق الإنسان { وأمرنا لنسلم لرب العالمين } [ الأنعام : 71 ] .
الأمر الثاني : الأمر الثاني من حكمة مشروعية الصيام ، هي تربية النفس ، وتعويدها على الصبر وتحمل المشاق في سبيل الله ، فالصيام يربي قوة العزيمة وقوة الإرادة ، ويجعل الإنسان متحكما في أهوائه ورغباته ، فلا يكون عبدا للجسد ، ولا أسيرا للشهوة ، وإنما يسير على هدي الشرع ، ونور البصيرة والعقل ، وشتان بين إنسان تتحكم فيه أهواؤه وشهواته فهو يعيش كالحيوان لبطنه وشهوته ، وبين إنسان يقهر هواه ويسيطر على شهوته ، فهو ملاك من الملائكة { ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم } [ محمد : 12 ] .
الأمر الثالث : أن الصوم يربي في الإنسان ، ملكة الحب والعطف والحنان ، ويجعل منه إنسانا رقيق القلب ، طيب النفس ، ويحرك فيه كامن الإيمان ، فليس الصيام حرمانا للإنسان عن الطعام والشراب ، بل هو تفجير للطاقة الروحية في نفس الإنسان ، ليشعر بشعور إخوانه ، ويحس بإحساسهم ، فيمد إليهم يد المساعدة والعون ، ويمسح دموع البائسين ، ويزيل أحزان المنكوبين ، بما تجود به نفسه الخيرة الكريمة التي هذبها شهر الصيام ، ولقد قيل ليوسف الصديق عليه السلام : « لم تجوع وأنت على خزائن الأرض فقال : أخشى إن أنا شبعت أن أنسى الجائع » .
الأمر الرابع : أن الصوم يهذب النفس البشرية ، بما يغرسه فيها من خوف الله جل وعلا ، ومراقبته في السر والعلن ، ويجعل المرء تقيا نقيا يبتعد عن كل ما حرم الله ، فالسر في الصوم هو الحصول على ( مرتبة التقوى ) والله تبارك وتعالى حين ذكر الحكمة من مشروعية الصيام قال : { لعلهم يتقون } ولم يقل ( لعلكم تتألمون ) أو ( لعلكم تجوعون ) أو ( لعلكم تصحون ) والتقوى هي ثمرة الصيام التي يجنيها الصائم من هذه العبادة ، وهي إعداد نفس الصائم للوقوف عند حدود الله ، بترك شهواته الطبيعية المباحة ، امتثالا لأمره واحتسابا للأجر عنده ، وهذا هو سر الصيام وروحه ومقصده الأسمى ، الذي شرعه الله من أجله ، كما بينه في كتابه العزيز ، فلله ما أسمى الصيام ، وما أروع حكمة الله في شرعه العادل الحكيم!!
] فريضة الصيام على المسلمين
التحليل اللفظي
{ الصيام } : الصم في اللغة : الإمساك عن الشيء والترك له ، يقال : صامت الخيل إذا أمسكت عن السير ، وصامت الريح إذا أمسكت عن الهبوب .
قال الراغب : الصوم : الإمساك عن الفعل مطعما كان أو كلاما أو مشيا ، ولذلك قيل للفرس الممسك عن السير أو العلف صائم ، قال الشاعر :
خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
أي خيل ثابتة ممسكة عن الجري ، أو ممسكة عن الطعام ، وقال آخر :
حتى إذا صام النهار واعتدل ... وسال للشمس لعاب فنزل
قال أبو عبيدة : كل ممسك عن طعام ، أو كلام ، أو سير فهو صائم .
وفي الشرع : هو الإمساك عن الطعام ، والشراب ، والجماع ، مع النية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس . وكماله باجتناب المحظورات ، وعدم الوقوع في المحرمات .
{ فعدة } : قال الراغب : العدة هي الشيء المعدود ، ومنه قوله تعالى { وما جعلنا عدتهم } [ المدثر : 31 ] أي عددهم . والمعنى : عليه أيام عدد ما قد فاته من رمضان .
قال القرطبي : « والعدة فعلة من العد وهي بمعنى المعدود ، كالطحن بمعنى المطحون ، تقول : أسمع جعجعة ولا أرى طحنا ، ومنه عدة المرأة » .
{ أخر } : جمع أخرى ، أي أياما أخرى ، وهي ممنوعة من الصرف لأنها معدولة عن آخر على رأي الكسائي ، وعن الألف واللام على رأي سيبويه ، مثل : الصغر ، والكبر . وإنما أوثر هنا الجمع لأنه لو جيء به مفردا فقيل : عدة من أيام أخرى لأوهم أنه وصف لعدة فيفوت المقصود .
{ يطيقونه } : أي يصومونه بمشقة وعسر .
قال في « اللسان » : والإطاقة القدرة على الشيء ، وهو في طوقي أي وسعي ، وأطاق وإطاقة إذا قوي عليه .
وقال الراغب : والطاقة اسم لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة ، وشبه بالطوق المحيط بالشيء .
{ فدية } : الفدية ما يفدي به الإنسان نفسه من مال وغيره ، بسبب تقصير وقع منه في عبادة من العبادات ، وهي تشبه الكفارة من بعض الوجوه .
{ شهر } : الشهر معروف ، وأصله من الاشتهار وهو الظهور ، يقال : شهر الأمر أظهره ، وشهرالسيف استله ، وسمي الشهر شهرا لشهرة أمره ، لكونه ميقاتا للعبادات والمعاملات ، فصار مشتهرا بين الناس .
{ رمضان } : قال الراغب : رمضان هو الرمض أي شدة وقع الشمس ، والرمضاء شدة حر الشمس ، ورمضت الغنم : رعت في الرمضاء فقرحت أكبادنا . وسمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها .
قال الزمخشري : « لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة ، سموها بالأزموة التي وقعت فيها ، فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فسمي رمضان » .
وقيل : إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحة .
{ الرفث } : الجماع ودواعيه ، قال الراغب : الرفث : كلام متضمن لما يستقبح ذكره من ذكر الجماع ودواعيه ، وقد جعل كناية عن الجماع في قوله تعالى : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسآئكم } تنبيها إلى جواز دعائهن إلى ذلك ومكالمتهن فيه .
وأصل الرفث : قول الفحش ثم كني به عن الجماع قال الشاعر :
ويرين من أنس الحديث زوانيا ... وبهن عن رفث الرجال نفار
قال ابن عباس : الرفث هو الجماع ، إن الله عز وجل كريم حليم يكني .
{ تختانون } : الاختيان من الخيانة ، كالاكتساب من الكسب ، ومعناه : مراودة الخيانة .
قال في « اللسان » : خانه واختانه ، والمخانة مصدر من الخيانة وهي ضد الأمانة قال الشاعر :
يتحدثون مخانة وملاذة ... ويعاب قائلهم وإن لم يشغب
وسئل بعضهم عن السيف فقال : أخوك وإن خانك ، وكل ما غيرك عن حالك فقد تخونك .
قال الراغب : الخيانة مقابل الأمانة ، والاختيان : مراودة الخيانة ، ولم يقل : ( تخونون أنفسكم ) لأنه لم تكن منهم الخيانة بل كان منهم الاختيان ، وهو تحرك شهوة الإنسان للوقوع في الخيانة .
{ عاكفون } : العكوف والاعتكاف أصله اللزوم ، يقال : عكفت بالمكان أي أقمت به ملازما قال تعالى : { لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى } [ طه : 91 ] وقال الشاعر :
فبات بنات الليل حولي عكفا ... عكوف البواكي بينهن صريع
وفي الشرع هو المكث في المسجد للعبادة بنية القربة لله تعالى .
{ حدود الله } : الحدود جمع حد ، والحد في اللغة : المنع ، ومنه سمي الحديد حديدا لأنه يمتنع به من الأعداء ، وسمي البواب حدادا لأنه يمنع من الدخول أو الخروج إلا بإذن ، وأحدث المرأة على زوجها إذا تركت الزينة وامتنعت منها .
قال الزجاج : « الحدود ما منع الله تعالى من مخالفتها ، فلا يجوز مجازوتها » .
المعنى الإجمالي
يخبر المولى جل وعلا أنه قد فرض الصيام على عباده المؤمنين ، كما فرضه على من سبقهم من أهل الملل ، وقد علل فرضيته ببيان فائدته الكبرى ، وحكمته العليا ، وهي أن يعد نفس الصائم لتقوى الله بترك الشهوات المباحة امتثالا لأمره تعالى ، واحتسابا للأجر عنده ، ليكون المؤمن من المتقين لله المجتنبين لمحارمه .
وهذا الصيام الذي فرضه الله على عباده ، إنما هو أيام معينات بالعدد ، وهي أيام رمضان ، ولم يفرض الله عليكم الدهر كله ، تخفيفا ورحمة بهم ، ومع هذه الرحمة في الصيام فقد شرع للمريض الذي يضره الصوم ، والمسافر الذي يشق عليه أن يفطرا ويقضيا أياما بقدر الأيام التي أفطرا فيها وذلك من التيسير على العباد والرحمة بهم ، ثم أخبر تعالى أن هذا الشهر الذي فرض عليهم صيامه هو شهر رمضان ، شهر ابتداء نزول القرآن ، الكتاب العظيم الذي أكرم الله به الأمة المحمدية ، فجعله دستورا لهم ، ونظاما يتمسكون به في حياتهم ، فيه النور ، والهدى ، والضياء ، وهو سبيل السعادة لمن أراد أن يسلك طريقها ، وقد أكد الباري صيام هذا الشهر ، لأنه شهر تنزل الرحمة الإلهية على العباد ، وأنه تعالى لا يريد بعباده إلا اليسر والسهولة ، ولذلك فقد أباح للمريض والمسافر الإفطار في أيام رمضان .
ثم بين تعالى أنه قريب ، يجيب دعوة الداعين ويقضي حوائج السائلين ، وليس بينه وبين أحد من العباد حجاب ، فعليهم أن يتوجهوا إليه وحده بالدعاء والتضرع ، حنفاء مخلصين له الدين .
وقد يسر تعالى على عباده وأباح لهم التمتع بالنساء في ليالي رمضان ، كما أباح لهم الطعام والشراب ، وقد كان ذلك من قبل محرما عليهم ، ولكنه تعالى أباح لهم الطعام والشراب ، والشهوات الجنسية من الاستمتاع بالنساء ، ليظهر فضله عليهم ، ورحمته بهم ، وقد شبه المرأة باللباس الذي يستر البدن ، فهي ستر للرجل وسكن له ، وهو ستر لها ، قال ابن عباس معناه « هن سكن لكم وأنتم سكن لهن » وأباح معاشرتهن إلى طلوع الفجر ، ثم استثنى من عموم إباحة المباشرة ، مباشرتهن وقت الاعتكاف لأنه وقت تبتل وانقطاع للعبادة ، ثم ختم تعالى هذه الآيات الكريمة بالتحذير من مخالفة أوامره ، وارتكاب المحرمات والمعاصي ، التي هي حدود الله ، وقد بينها لعباده حتى يجتنبوها ، ويلتزموا بالتمسك بشريعة الله ليكونوا من المتقين .
سبب النزول
1 - روى ابن جرير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال : « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر » ، ثم إن الله عز وجل فرض شهر رمضان ، فأنزل الله تعالى ذكره { ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } حتى بلغ { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } فكان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا ، ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام على الصحيح المقيم ، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم ، فأنزل الله عز وجل { فمن شهد منكم الشهر فليصمه . . . } .
2 - وروي عن سلمة بن الأكوع أنه قال « لما نزلت هذه الآية { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } كان من شاء منا صام ، ومن شاء أن يفطلر ويفتدي فعل ذلك ، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } .
3 - وروي أن جماعة من الأعراب سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أقريب ربنا فنناجيه؟ أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب . . . } الآية .
4 - وروي البخاري عن ( البراء بن عازب ) أنه قال : » كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر ، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي ، وإن ( قيس بن صرمة ) الأنصاري كان صائما ، وكان يعمل بالنخيل في النهار ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها : أعندك طعام؟ قالت : لا ، ولكن أنطلق فأطلب لك ، وكان يومه يعمل ، فغلبته عيناه فجاءته امرأته فلما رأته قالت : خيبة لك ، فلما انتصف النهار غشي عليه ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسآئكم } ففرحوا فرحا شديدا ، فنزلت { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } .
وجوه القراءات
1 - قرأ الجمهور ( وعلى الذين يطيقونه ) وقرأ ابن عباس ( يطوقونه ) بمعنى يكلفونه .
2 - قرأ الجمهور ( فدية طعام مسكين ) وقرأ نافع وابن عامر ( فدية طعام مساكين ) بجمع مساكين ، وإضافة ( فدية ) إلى ( طعام ) .
3 - قرأ الجمهور ( فمن تطوع ) على الماضي وقرأ حمزة والكسائي ( فمن تطوع ) بالجزم على معنى يتطوع ، وقرئ ( فمن يطوع ) على أنه مضارع .
4 - قرأ الجمهور ( ولتكملوا العدة ) بالتخفيف ، وقرأ أبو بكر عن عاصم ( ولتكملوا ) بالتشديد .
وجوه الإعراب
1 - قوله تعالى : { كما كتب على الذين من قبلكم } الكاف للتشبيه وهي صفة لمصدر محذوف و ( ما ) مصدرية ، والتقدير : كتب عليكم الصيام كتابة مثل كتابته على من قبلكم .
2 - قوله تعالى : { أياما معدودات } قال الزجاج : منصوب على الظرف كأنه قال : كتب عليكم في هذه الأيام والعامل فيه الصيام . قال العكبري : لا يجوز أن ينتصب على الظرف ، ولا على أنه مفعول به على السعة لأن المصدر إذا وصف لا يعمل ، والوجه أن يكون العامل محذوفا تقديره : صوموا أياما .
3 - قوله تعالى : { فعدة من أيام أخر } تقديره : فعليه عدة فيكون ارتفاع ( عدة ) على الابتداء والخير محذوف ، وأخر صفة لعدة لا ينصرف للوصف والعدل عن الألف واللام .
4 - قوله تعالى : { وأن تصوموا خير لكم } أن تصوموا في موضع مبتدأ و ( خير ) خبره والتقدير صيامكم خير لكم ، و { إن كنتم تعلمون } شرط حذف منه الجواب لدلالة ما قبله .
5 - قوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } الشهر منصوب على الظرف ، وكذلك الهاء في ( فليصمه ) ولا يكون مفعولا به ، لأنه يلزم حينئذ المسافر لأنه شهد الشهر ، قال الزمخشري : « المعنى فمن كان شاهدا أي حاضرا مقيما غير مسافر فليصم في الشهر ولا يفطر » .
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : أشارت الآية الكريمة إلى أن الصوم عبادة قديمة ، فرضها الله على الأمم قبلنا ، ولكن أهل الكتاب غيروا وبدلوا في هذه الفريضة ، وقد كان يتفق في الحر الشديد أو البرد الشديد ، فحولوه إلى الربيع وزادوا في عده حتى جعلوه خمسين يوما كفارة لذلك .
روى الطبري بسنده عن الدي أنه قال : « كتب على النصارى شهر - رمضان ، وكتب عليهم ألا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ، ولا أن ينكحوا النساء في شهر رمضان ، فاشتد على النصارى صيام رمضان ، وجعل يقلب عليهم في الشتاء والصيف ، فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف ( يعني الربيع ) وقالوا : نزيد عشرين يوما نكفر بهما ما صنعنا فجعلوا صيامهم خمسين » .
اللطيفة الثانية : قوله تعالى : { فعدة من أيام أخر } قال ابن العربي : هذا القول من لطيف الفصاحة لأن تقديره : فأفطر فعدة من أيام أخر ، فحذف الشرط والمضاف ثقة بالظهور .
اللطيفة الثالثة : بين المولى جل ثناؤه أن الصوم يورث التقوى { لعلكم تتقون } وهذا تقليل لفريضة الصيام ببيان فائدته الكبرى ، وحكمته العليا ، وهو أنه يعد نفس الصائم لتقوى الله بترك شهواته الطبيعية المباحة ، امتثالا لأمره واحتسابا للأجر عنده ، فتتربى بذلك إرادته على ملكة التقوى بترك الشهوات المحرمة ، فالصوم يكسر شهوة البطن والفرج ، وإنما يسعى الناس لهذين ، كما قيل في المثل السائر : ( المرء يسعى لغاريه : بطنه ، وفرجه ) .
اللطيفة الرابعة : قال القفال رحمه الله : « انظروا إلى عجيب ما نبه الله عليه من سعة فضله ورحمته في هذا التكليف ، فقد نبه إلى ما يلي :
أولا : أن لهذه الأمة في شريعة الصيام أسوة بالأمم المتقدمة .
ثانيا : أن الصوم سبب لحصول التقوى ، فلو لم يفرض لفات هذا المقصود الشريف .
ثالثا : أنه مختص بأيام معدودات ، فإنه لو جعله أبدا لحصلت المشقة العظيمة .
رابعا : أنه خصه من بين الشهور بالشهر الذي أنزل فيه القرآن ، لكونه أشرف الشهور .
خامسا : إزالة المشقة في إلزامه - فقد أباح تأخيره لمن يشق عله من المسافرين والمرضى ، فهو سبحانه قد راعى في فريضة الصيام هذه الوجوه من الرحمة ، فله الحمد على نعمه التي لا تحصى .
اللطيفة الخامسة : أفاد قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية } أن الشيخ الكبير والمرأة العجوز يجوز لهما الإفطار مع الفدية ، والعرب تقول : أطاق الشيء إذا كانت قدرته في نهاية الضعف ، بحيث يتحمل به مشقة عظيمة ، وهو مشتق من الطوق وعليه قول الراغب : الطاقة اسم لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة ، وذلك تشبيه بالطوق المحيط بالشيء ، وقوله تعالى : { ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } [ البقرة : 286 ] أي ما يصعب علينا مزاولته .
والطاقة : اسم لمن كان قادرا على الشيء مع الشدة والمشقة ، والوسع : اسم لمن كان قادرا على الشيء على وجه السهولة ، فتنبه له فإنه دقيق .
اللطيفة السادسة : قوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } المراد شهود الوقت لا شهود رؤية الهلال ، إذ قد لا يراه إلا واحد أو اثنان ويجب صيامه على جميع المسلمين ، و ( شهد ) بمعنى حضر ، وفيه إضمار أي من شهد منكم الشهر مقيما غير مسافر ولا مريض فليصمه ، ووضع الظاهر موضع الضمير للتعظيم والمبالغة في البيان ، أفاده أبو السعود .
اللطيفة السابعة : قوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } هذه الآية فيها من المحسنات البديعية ما يسمى ( طباق السلب ) وهي أصل في الدين ومنها أخذ الفقهاء القاعدة الأصولية ( المشقة تجلب التيسير ) فالله تبارك وتعالى لا يريد بتشريعه إعنات الناس ، وإنما يريد اليسر بهم وخيرهم ومنفعتهم .
اللطيفة الثامنة : قال العلامة الزمخشري قوله تعالى : { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون } أي شرع ذلك يعني جملة ما ذكر ، من أمر الشاهد بصوم الشهر ، وأمر المريض والمسافر بمراعاة عدة ما أفطر فيه ، ومن الترخيص في إباحة الفطر ، فقوله : { ولتكملوا } علة الأمر بمراعاة العدة ، ( ولتكبروا ) علة ما علم من كيفية القضاء والخروج عن عهدة الفطر { ولعلكم تشكرون } علة الترخيص والتيسير ، وهذا نوع من اللف والنشر ، لطيف المسلك ، لا يكاد يهتدي إلى تبينه إلا النقاب المحدث من علماء البيان .
اللطيفة التاسعة : عبر المولى جل وعلا عن المباشرة الجنسية التي تكون بين الزوجين بتعبير سامى لطيف ، لتعليمنا الأدب في الأمور التي تتعلق بالنساء { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } فالتعبير على طريقة الاستعارة والمراد اشتمال بعضهم على بعض لما تشتمل الملابس على الأجسام .
قال الإمام الفخر : « لما كان الرجل والمرأة يعتنقان ، فيضم كل واحد منهما جسمه إلى جسم صاحبه ، حتى يصير كل واحد منهما لصاحبه كالثوب الذي يلبسه ، سمي كل واحد منهما لباسا » .
اللطيفة العاشرة : قوله تعالى : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } .
قال الشريف الرضي : « هذه استعارة عجيبة ، والمراد بها حتى يتبين بياض الصبح من سواد الليل ، والخيطان هاهنا مجاز ، وإنما شبهها بذلك لأن بياض الصبح يكون في أول طلوعه مشرقا خافيا ، ويكون سواد الليل منقضيا موليا ، فهما جميعا ضعيفان ، إلا أن هذا يزداد انتشارا وهذا يزداد استسرارا » .
روي أنه لما نزلت الآية « قال ( عدي بن حاتم ) أخذت عقالين : أبيض ، وأسود فجعلتهما تحت وسادتي ، وكنت أقوم من الليل فأنظر إليها ، فلم يتبين لي الأبيض من الأسود ، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فضحك وقال : » إنك لعريض القفا ، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل « .
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل فرض على المسلمين صيام قبل رمضان؟
يدل ظاهر قوله تعالى : { أياما معدودات } على أن المفروض على المسلمين من الصيام إنما هو هذه الأيام ( أيام رمضان ) وإلى هذا ذهب أكثر المفسرين ، وهو مروي عن ابن عباس والحسن ، واختاره ابن جرير الطبري .
وروي عن قتادة وعطاء أن المفروض على المسلمين كان ثلاثة أيام من كل شهر ، ثم فرض عليهم صوم رمضان ، وحجتهم أن قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية } يدل على أنه واجب على التخيير ، وأما صوم رمضان فإنه واجب على التعيين ، فوجب أن يكون صوم هذه الأيام غير صوم رمضان .
واستدل الجمهور بأن قوله تعالى : { كتب عليكم الصيام } مجمل يحتمل أن يكون يوما أو يومين أو أكثر من ذلك فبينه بعض البيان بقوله : { أياما معدودات } وهذا أيضا يحتمل أن يكون أسبوعا أو شهرا ، فبينه تعالى بقوله : { شهر رمضان } فكان ذلك حجة واضحة على أن الذي فرضه على المسلمين هو شهر رمضان .
قال ابن جرير الطبري : « وأولى الأقوال بالصواب عندي قول من قال : عنى جل ثناؤه بقوله : { أياما معدودات } أيام شهر رمضان ، وذلك أنه لم يأت خبر تقوم به حجة بأن صوما فرض على أهل الإسلام غير صوم شهر رمضان ثم نسخ بصوم رمضان ، لأن الله تعالى قد بين في سياق الآية أن الصوم الذي أوجبه علينا هو صوم شهر رمضان دون غيره من الأوقات ، بإبانته عن الأيام التي كتب علينا صومها بقوله : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } فتأويل الآية كتب عليكم أيها المؤمنون الصيام ، كما كتب على من قبلكم لعلكم تتقون ، أياما معدودات هي شهر رمضان » .
الحكم الثاني : ما هو المرض والسفر المبيح للإفطار؟
أباح الله تعالى للمريض والمسافر الفطر في رمضان ، رحمة بالعباد وتيسيرا عليهم ، وقد اختلف الفقهاء في المرض المبيح للفطر على أقوال :
أولا - قال أهل الظاهر : مطلق المرض والسفر يبيح للإنسان الإفطار حتى ولو كان السفر قصيرا والمرض يسيرا حتى من وجع الإصبع والضرس ، وروي هذا عن عطاء وابن سيرين .
ثانيا - وقال بعض العلماء إن هذه الرخصة مختصة بالمريض الذي لو صام لوقع في مشقة وجهد ، وكذلك المسافر الذي يضينه السفر ويجهده ، وهو قول الأصم .
ثالثا - وذهب أكثر الفقهاء إلى أن المرض المبيح للفطر ، هو المرض الشديد الذي يؤدي إلى ضرر في النفس ، أو زيادة في العلة ، أو يخشى معه تأخر البرء ، والسفر الطويل الذي يؤدي إلى مشقة في الغالب ، وهذا مذهب الأئمة الأربعة .
دليل الظاهرية :
استدل أهل الظاهر بعموم الآية الكريمة { فمن كان منكم مريضا أو على سفر } حيث أطلق اللفظ ولم يقيد المرض بالشديد ، ولا السفر بالبعيد ، فمطلق المرض والسفر يبيح الإفطار ، حكي أنهم دخلوا على ( ابن سيرين ) في رمضان وهو يأكل ، فاعتل بوجع أصبعه .
وقال داود : الرخصة حاصلة في كل سفر ، ولو كان السفر فرسخا لأنه يقال له : مسافر ، وهذا ما دل عليه ظاهر القرآن .
دليل الجمهور :
استدل جمهور الفقهاء على أن المرض اليسير الذي لا كلفة معه لا يبيح الإفطار بقوله تعالى في آية الصيام { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } فالآية قد دلت على أن الفرض من الترخيص .
المرض خفيفا والسفر قريبا فلا يقال إن هناك مشقة رفعت عن الصائم ، فأي مشقة من وجع الأصبع والضرس؟
الترجيح : أقول ما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح الذي يتقبله العقل بقبول حسن ، فإن الحكمة التي من أجلها رخص للمريض في الإفطار هي إرادة اليسر ، ولا يراد اليسر إلا عند وجود المشقة ، فأي مشقة في وجع الأصبع ، أو الصداع الخفيف والمرض اليسير ، الذي لا كلفة معه في الصيام؟ ثم إن من الأمراض ما لا يكون شفاؤه إلا بالصيام ، فكيف يباح الفطر لمن كان مرضه كذلك؟ ولم يكلفنا الله جل وعلا إلا على حسب ما يكون في غالب الظن ، فيكفي أن يظهر أن الصوم يكون سببا للمرض ، أو زيادة العلة ، أما الإطلاق فيه أو التضييق فأمر يتنافى مع إرادة اليسر بالمكلفين .
قال القرطبي : « للمريض حالتان : إحداهما - ألا يطيق الصوم بحال فعليه الفطر واجبا .
الثانية : أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة ، فهذا يستحب له الفطر ، ولا يصوم إلا جاهل وقال جمهور العلماء : إذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه ، أو يخاف تماديه ، أو يخاف زيادته صح له الفطر ، واختلفت الرواية عن مالك في المرض المبيح للفطر ، فقال مرة : هو خوف التلف من الصيام ، وقال مرة : هو شدة المرض ، والزيادة فيه ، والمشقة القادحة ، وهذا صحيح مذهبه وهو مقتضى الظاهر » .
الحكم الثالث : ما هو السفر المبيح للإفطار؟
وأما السفر المبيح للإفطار فقد اختلف الفقهاء فيه بعد اتفاقهم على أنه لا بد أن يكون سفرا طويلا على أقوال :
أ - قال الأوزاعي : السفر المبيح للفطر مسافة يوم .
ب - وقال الشافعي وأحمد : هو مسيرة يومين وليلتين ، ويقدر بستة عشر فرسخا .
ج - وقال أبو حنيفة والثوري : مسيرة ثلاثة أيام بلياليها ويقدر بأربعة وعشرين فرسخا .
حجة الأوزاعي :
أن السفر أقل من يوم سفر قصير قد يتفق للمقيم ، والغالب أن المسافر هو الذي لا يتمكن من الرجوع إلى أهله في ذلك اليوم ، فلا بد أن يكون أقل مدة للسفر يوم واحد حتى يباح له الفطر .
حجة الشافعي وأحمد :
أولا : أن السفر الشرعي هو الذي تقصر فيه الصلاة ، وتعب اليوم الواحد يسهل تحمله ، أما إذا تكرر التعب في اليومين فإنه يشق تحمله فيناسب الرخصة .
ثانيا : ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان » .
قال أهل اللغة : وكل بريد أربعة فراسخ ، فيكون مجموعة ستة عشر فرسخا .
ثالثا : ما روي عن عطاء أنه قال لابن عباس : أقصر إلى عرفة؟ فقال : لا ، فقال : إلى مر الظهران؟ فقال : لا ، ولكن أقصر إلى جدة ، وعسفان ، والطائف .
قال القرطبي : والذي في « البخاري » : « وكان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة برد ، وهي ستة عشر فرسخا » .
وهذا هو المشهور من مذهب مالك رحمه الله ، وقد روي عنه أنه قال : أقله يوم وليلة ، واستدل بحديث « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم » رواه البخاري .
حجة أبي حنيفة والثوري :
أولا : واحتج أبو حنيفة بأن قوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } يوجب الصوم ، ولكنا تركناه في ثلاثة الأيام للإجماع على الرخصة فيها ، أما فيما دونها فمختلف فيه فوجب الصوم احتياطيا .
ثانيا : واحتج بقوله عليه السلام : « يمسح المقيم يوما وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها » فقد جعل الشارع علة المسح ثلاثة أيام السفر ، والرخص لا تعلم إلا من الشرع ، فوجب اعتبار الثلاث سفرا شرعيا .
ثالثا : وبقوله عليه الصلاة والسلام : « لا تسافر امرأة فوق ثلاثة أيام إلا ومعها ذو محرم » فتبين أن الثلاثة قد تعلق بها حكم شرعي ، وغيرها لم يتعلق فوجب تقديرها في إباحة الفطر .
قال ابن العربي في تفسيره « أحكام القرآن » : « وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : » لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم « وفي حديث ( سفر ثلاثة أيام ) فرأى أبو حنيفة أن السفر يتحقق في أيام : يوم يتحمل فيه عن أهله ، ويوم ينزل فيه في مستقره ، واليوم الأوسط هو الذي يتحقق فيه السير المجرد ، فرجل احتاط وزاد ، ورجل ترخص ، ورجل تقصر » .
أقول : أمور العبادة ينبغي فيها الاحتياط ، ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم منع المرأة من السفر مسيرة ثلاثة أيام ، وثبت يوم وليلة وكلاهما في الصحيح ، لذا كان العمل بالثلاث أحوط ، فلعل ما ذهب إليه أبو حنيفة يكون أرجح والله أعلم .
الحكم الرابع : هل الإفطار للمريض والمسافر رخصة أم عزيمة؟
ذهب أهل الظاهر إلى أنه يجب على المريض والمسافر أن يفطرا ، ويصوما عدة من أيام أخرى ، وأنهما لو صاما لا يجزئ صومهما لقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } والمعنى : فعليه عدة من أيام أخر ، وهذا يقتضي الوجوب . وبقوله عليه السلام : « ليس من البر الصيام في السفر » وقد روي هذا عن بعض علماء السلف .
وذهب الجمهور وفقهاء الأمصار إلى أن الإفطار رخصة ، فإن شاء أفطر وإن شاء صام واستدلوا بما يلي :
1 - قالوا : إن في الآية إضمارا تقديره : فأفطر فعليه عدة من أيام أخر ، وهو نظير قوله تعالى : { فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت } [ البقرة : 60 ] والتقدير : فضرب فانفجرت ، وكذلك قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية } [ البقرة : 196 ] أي فحلق فعليه فدية والإضمار في القرآن كثير لا ينكره إلا جاهل .
ب - واستدلوا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر المستفيض أنه صام في السفر .
ج - وبما ثبت عن أنس قال : « سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ، فلم يعب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم » .
د - وقالوا : إن المرض والسفر من موجبات اليسر شرعا وعقلا ، فلا يصح أن يكونا سببا للعسر .
وأما ما استدل به أهل الظاهر من قوله عليه السلام « ليس من البر الصيام في السفر » فهذا وارد على سبب خاص وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يظلل والزحام عليه شديد فسأل عنه فقالوا : صائم أجهده العطش فذكر الحديث .
قال ابن العربي في تفسيره « أحكام القرآن » : « وقد عزي إلى قوم : إن سافر في رمضان قضاه ، صامه أو أفطره ، وهذا لا يقول به إلا الضعاء الأعاجم ، فإن جزالة القول ، وقوة الفصاحة ، تقتضي تقدير ( فأفطر ) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الصوم في السفر قولا وفعلا ، وقد بينا ذلك في شرح الصحيح وغيره » .
الحكم الخامس : هل الصيام أفضل أم الإفطار؟
وقد اختلف الفقهاء القائلون بأن الإفطار رخصة في أيهما أفضل؟
فذهب أبو حنيفة ، والشافعي ، ومالك إلى أن الصيام أفضل لمن قوي عليه ، ومن لم يقو على الصيام كان الفطر له أفضل ، أما الأول فلقوله تعالى : { وأن تصوموا خير لكم } وأما الثاني فلقوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } .
وذهب أحمد رحمه الله إلى أن الفطر أفضل أخذا بالرخصة ، فإن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه ، كما يحب أن تؤتى عزائمه .
وذهب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى أن أفضلهما أيسرهما على المرء .
الترجيح : وما ذهب إليه الجمهور هو الأرجح لقوة أدلتهم والله تعالى أعلم .
الحكم السادس : هل يجب قضاء الصيام متتابعا؟
ذهب علي ، وابن عمر ، والشعبي إلى أن من أفطر لعذر كمرض أو سفر قضاه متتابعا ، وحجتهم أن القضاء نظير الأداء ، فلما كان الأداء متتابعا ، فكذلك القضاء .
وذهب الجمهور إلى أن القضاء يجوز فيه كيف ما كان ، متفرقا أو متتابعا ، وحجتهم قوله تعالى : { فعدة من أيام أخر } فالآية لم تشترط إلا صيام أيام بقدر الأيام التي أفطرها ، وليس فيها ما يدل على التتابع فهي نكرة في سياق الإثبات ، فأي يوم صامه قضاء أجزأه .
واستدلوا بما روى عن أبي عبيدة بن الجراح أنه قال : « إن الله لم يرخص لكم في فطره وهو يريد أن يشق عليكم في قضائه ، إن شئت فواصل وإن شئت ففرق » .
الترجيح : والراجح ما ذهب إليه الجمهور لوضوح أدلتهم والله أعلم .
الحكم السابع : ما المراد من قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية } ؟
يرى بعض العلماء أن الصيام كان قد شرع ابتداء على التخيير ، فكان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وافتدى ، يطعم عن كل يوم مسكينا ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وهذا رأي الأكثرين واستدلوا لما رواه البخاري ومسلم عن ( سلمة بن الأكوع ) أنه قال : لما نزلت هذه الآية { وعلى الذين يطيقونه } كان من شاء منا صام ، ومن شاء أفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وهذا مروي عن ابن مسعود ، ومعاذ ، وابن عمر وغيرهم .
ويرى آخرين أن الآية غير منسوخة ، وأنها نزلت في الشيخ الكبير ، والمرأة العجوز ، والمريض الذي يجهده الصوم ، وهذا مروي عن ابن عباس .
قال ابن عباس : ( رخص للشيخ الكبير أن يفطر ، ويطعم عن كل يوم مسكينا ، ولا قضاء عليه ) .
وروى البخاري عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال ابن عباس : ليست بمنسوخة ، هي للشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة ، لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا .
وعلى هذا تكون الآية غير منسوخة ، ويكون معنى قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه } أي وعلى الذين يقدرون على الصوم مع الشدة والمشقة ، ويؤيده قراءة { يطوقونه } أي يكلفونه مع المشقة .
الحكم الثامن : ما هو حكم الحامل والمرضع؟
الحبلى والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على ولديهما أفطرتا ، لأن حكمهما حكم المريض ، وقد سئل الحسن البصري عن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما فقال : أي مرض أشد من الحمل؟ تفطر وتقضي .
وهذا باتفاق الفقهاء ، ولكنهم اختلفوا هل يجب عليهما القضاء مع الفدية ، أم يجب القضاء فقط؟
ذهب أبو حنيفة إلى أن الواجب عليهما هو القضاء فقط ، وذهب الشافعي وأحمد إلى أن عليهما القضاء مع الفدية .
حجة الشافعي وأحمد :
أن الحامل والمرضع داخلتان في منطوق الآية الكريمة { وعلى الذين يطيقونه فدية } لأنها تشمل الشيخ الكبير ، والمرأة الفانية ، وكل من يجهده الصوم فعليهما الفدية كما تجب على الشيخ الكبير .
حجة أبي حنيفة :
أولا : أن الحامل والمرضع في حكم المريض ، ألا ترى إلى قول الحسن البصري : أي مرض أشد من الحمل؟ يفطران ويقضيان ، فلم يوجب عليهما غير القضاء .
ثانيا : الشيخ الهرم لا يمكن إيجاب القضاء عليه ، لأنه إنما سقط عنه الصوم إلى الفدية لشيخوخته ومانته ، فلن يأتيه يوم يستطيع فيه الصيام ، أما الحامل والمرضع فإنهما من أصحاب الأعذار الطارئة المنتظرة للزوال ، فالقضاء واجب عليهما ، فلو أجبنا الفدية عليهما أيضا كان ذلك جمعا بين البدلين وهو غير جائز ، لأن القضاء بدل ، والفدية بدل ، ولا يمكن الجمع بينهما لأن الواجب أحدهما .
وقد روي عن الإمام أحمد والشافعي أنهما إن خافتا على الولد فقط وأفطرتا فعليهما القضاء والفدية ، وإن خافتا على أنفسهما فقط ، أو على أنفسهما وعلى ولدهما ، فعليهما القضاء لا غير .
الحكم التاسع : بم يثبت شهر رمضان؟
يثبت شهر رمضان برؤية الهلال ، ولو من واحد عدل أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما ، ولا عبرة بالحساب وعلم النجوم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما » .
فبواسطة الهلال تعرف أوقات الصيام والحج كما قال تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } [ البقرة : 189 ] فلا بد من الاعتماد على الرؤية ، ويكفي لإثبات رمضان شهادة واحد عدل عند الجمهور ، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : « تراءى الناس الهلال ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته ، فصام وأمر الناس بصيامه » وأما هلال شوال فيثبت بإكمال عدة رمضان ثلاثين يوما ، ولا تقبل فيه شهادة العدل الواحد عند عامة الفقهاء .
وقال مالك : لا بد من شهادة رجلين عدلين ، لأنه شهادة وهو يشبه إثبات هلال شوال ، لا بد فيه من اثنين على الأقل .
قال الترمذي : والعمل عند أكثر أهل العلم على أنه تقبل شهادة واحد في الصيام .
روى الدارقطني : أن رجلا شهد عند علي بن أبي طالب على رؤية هلال رمضان فصام وأمر الناس أن يصوموا ، وقال : أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان .
الحكم العاشر : هل يعتبر اختلاف المطالع في وجوب الصيام؟
ذهب الحنيفة والمالكية والحنابلة : إلى أنه لا عبرة باختلاف المطالع ، فإذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على بقية البلاد لقوله صلى الله عليه وسلم : « صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته » وهو خطاب عام لجميع الأمة ، فمن رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لهم جميعا .
وذهب الشافعية إلى أنه يعتبر لأهل كل بلد رؤيتهم ، ولا تكفي رؤية البلد الآخر ، والأدلة تطلب من كتب الفروع فارجع إليها هناك .
الحكم الحادي عشر : حكم الخطأ في الإفطار .
اختلف العلماء فيمن أكل أو شرب ظانا غروب الشمس ، أو تسحر يظن عدم طلوع الفجر ، فظهر خلاف ذلك ، هل عليه القضاء أم لا؟
فذهب الجمهور وهو مذهب ( الأئمة الأربعة ) إلى أن صيامه غير صحيح ويجب عليه القضاء ، لأن المطلوب من الصائم التثبت ، لقوله تعالى : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } فأمر بإتمام الصيام إلى غروب الشمس ، فإذا ظهر خلافه وجب القضاء .
وذهب أهل الظاهر والحسن البصري إلى أن صومه صحيح ولا قضاء عليه لقوله تعالى : { وليس عليكم جناح فيمآ أخطأتم به } [ الأحزاب : 5 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » وقالوا : هو كالناسي لا يفسد صومه .
الترجيح : وما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح لأن المقصود من رفع الجناح رفع الإثم لا رفع الحكم ، فلا كفارة عليه لعدم قصد الإفطار ، ولكن يلزمه القضاء للتقصير ، ألا ترى أن القتل الخطأ فيه الكفارة والدية مع أنه ليس بعمد ، وقياسه على الناسي غير سليم ، لأن الناسي قد ورد فيه النص الصريح فلا يقاس عليه والله أعلم .
الحكم الثاني عشر : هل الجنابة تنافي الصوم؟
دلت الآية الكريمة وهي { فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم . . . } الآية على أن الجنابة لا تنافي صحة الصوم ، لما فيه من إباحة الأكل والشرب والجماع من أول الليل إلى آخره ، مع العلم أن المجامع في آخر الليل إذا صادف فراغه من الجماع طلوع الفجر يصبح جنبا ، وقد أمر الله بإتمام صومه إلى الليل { ثم أتموا الصيام إلى الليل } فدل على صحة صومه ، ولو لم يكن الصوم صحيحا لما أمره بإتمامه .
وفي « الصحيحين » عن عائشة رضي الله عنها : « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا وهو صائم ثم يغتسل » فالجنابة لا تأثير لها على الصوم ، ويجب الاغتسال من أجل الصلاة .
الحكم الثالث عشر : هل يجب قضاء صوم النفل إذا أفسده؟
اختلف الفقهاء في حكم صوم النفل إذا أفسده هل يجب فيه القضاء أم لا؟ على مذاهب .
مذهب الحنفية : يجب عليه القضاء لأنه بالشروع يلزمه الإتمام .
مذهب الشافعية والحنابلة : لا يجب عليه القضاء لأن المتطوع أمير نفسه .
وذهب المالكية : أنه إن أبطله فعليه القضاء ، وإن كان طرأ عليه ما يفسده فلا قضاء عليه .
دليل الحنفية :
أ - قوله تعالى : { ثم أتموا الصيام إلى الليل } قالوا : فهذه الآية عامة في كل صوم ، فكل صوم شرع فيه لزمه إتمامه .
ب - قوله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } [ محمد : 33 ] والنفل الذي شرع فيه عمل من الأعمال ، فإذا أبطله فقد ترك واجبا ، ولا تبرأ ذمته إلا بإعادته .
ج - حديث عائشة أنها قالت : « أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين ، فأهدي إلينا طعام فأعجبنا فأفطرنا ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم بدرتني حفصة فسألته - وهي ابنة أبيها - فقال عليه السلام : صوما يوما مكانه » .
دليل الشافعية والحنابلة :
أ - قوله تعالى : { ما على المحسنين من سبيل } [ التوبة : 91 ] والمتطوع محسن فليس عليه حرج في الإفطار .
ب - حديث « الصائم المتطوع أمير نفسه ، إن شاء صام وإن شاء أفطر » .
الحكم الرابع عشر : ما هو الاعتكاف وفي أي المساجد يعتكف؟
قال الشافعي رحمه الله : الاعتكاف اللغوي : ملازمة المرء للشيء وحبس نفسه عليه ، برا كان أو إثما قال تعالى : { يعكفون على أصنام لهم } [ الأعراف : 138 ] .
والاعتكاف الشرعي : المكث في بيت الله بنية العبادة ، وهو من الشرائع القديمة قال الله تعالى : { وطهر بيتي للطآئفين والقآئمين } [ الحج : 26 ] وقال تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } ويشترط في الاعتكاف أن يكون في المسجد لقوله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } وقد وقع الاختلاف في المسجد الذي يكون فيه الاعتكاف على أقوال :
أ - فقال بعضهم : الاعتكاف خاص بالمساجد الثلاثة ( المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى ) وهي مساجد الأنبياء عليهم السلام ، واستدلوا بحديث : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد . . » الحديث وهذا قول سعيد بن المسيب .
2 - وقال بعضهم : لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الجماعة ، وهو قول ابن مسعود وبه أخذ الإمام مالك رحمه الله في أحد قوليه .
3 - وقال الجمهور : يجوز الاعتكاف في كل مسجد من المساجد لعموم قوله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } وهو الصحيح لأن الآية لم تعين مسجدا مخصوصا فيبقى اللفظ على عمومه .
قال أبو بكر الجصاص : « حصل اتفاق جميع السلف أن من شرط الاعتكاف أن يكون في المسجد ، على اختلاف منهم في عموم المساجد وخصوصها ، وظاهر قوله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } يبيح الاعتكاف في سائر المساجد لعموم اللفظ ، ومن اقتصر به على بعضها فعليه بإقامة الدليل ، وتخصيصه بمساجد الجماعات لا دلالة عليه ، كما أن تخصيص من خصه بمساجد الأنبياء لما لم يكن عليه دليل سقط اعتباره » .
وأما المرأة فيجوز لها أن تعتكف في بيتها لعدم دخولها في النص السابق :
الحكم الخامس عشر : ما هي مدة الاعتكاف وهل يشترط فيه الصيام؟
اختلف الفقهاء في المدة التي تلزم في الاعتكاف على أقوال :
أ - قلة يوم وليلة ، وهو مذهب الأحناف .
ب - أقله عشرة أيام ، وهو أحد قولي الإمام مالك .
ج - أقله لحظة ولا حد لأكثره وهو مذهب الشافعي .
ويجوز عند الشافعي وأحمد ( في أحد قوليه ) الاعتكاف بغير صوم .
وقال الجمهور ( أبو حنيفة ومالك وأحمد ) في القول الآخر : لا يصح الاعتكاف إلا بصوم . واحتجوا بما روته عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا اعتكاف إلا بصيام » .
وحديث « اعتكف وصم » وقالوا : إن الله ذكر الاعتكاف مع الصيام في قوله : { وكلوا واشربوا } إلى قوله : { وأنتم عاكفون في المساجد } فدل على أنه لا اعتكاف إلا بصيام .
قال الإمام الفخر : « يجوز الاعتكاف بغير صوم ، والأفضل أن يصوم معه وهو مذهب الشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز إلا بالصوم .
حجة الشافعي رضي الله عنه هذه الآية ، لأنه بغير الصوم عاكف ، والله تعالى منع العاكف من مباشرة المرأة » .
أقول : المشهور عند فقهاء الأحناف أنهم قسموا الاعتكاف إلى ثلاثة أقسام :
1- مندوب : وهو يتحقق بمجرد النية ويكفي فيه ولو ساعة .
2 - وسنة وهو في العشر الأواخر في رمضان .
3 - وواجب : وهو المنذور ولا بد فيه من الصوم .
والأدلة بالتفصيل تطلب من كتب الفروع .
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
1 - الصيام شريعة الله لجميع الأمم فرضه الله على جميع المسلمين .
2 - الصوم مدرسة روحية لتهذيب النفس وتعويدها على الصبر .
3 - إختار الله شهر رمضان لفريضة الصيام لأنه شهر القرآن .
4 - أهل الأعذار رخص الله لهم في الإفطار رحمة من الله وتيسيرا .
5 - لا يجوز تعدي حدود الله ولا تجاوز أوامره ونواهيه لأنها الخير البشرية .
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
مما لا شك فيه أن الصوم له فوائد جليلة ، غفل عنها الجاهلون فرأوا فيه تجويعا للنفس ، وإرهاقا للجسد ، وكبتا للحرية ، لا داعى له ولا مبرر ، لأنه تعذيب للبدن دون فائدة أو جدوى . . وعرف سر حكمته العقلاء والعلماء فأدركوا بعض فوائد وأسراره ، وأيدهم في ذلك الأطباء ، فرأوا في الصيام أعظم علاج ، وخير وقاية ، وأنجح دواء لكثير من الأمراض الجسدية ، التي لا ينفع فيها إلا الحمية الكاملة ، والانقطاع عن الطعام والشراب مدة من الزمان . ولسنا الآن بصدد معرفة ( الفوائد الصحية ) للصيام ، فإن ذلك مرجعه لأهل الاختصاص من الأطباء ، ولكننا بصدد التعرف على بعض الحكم الروحية التي هي الأساس لتشريع الصيام - فإن الله عز وجل ما شرع العبادات إلا ليربي في الإنسان ( ملكة التقوى ) وليعوده على الخضوع ، والعبودية ، والإذعان لأوامر الله العلي القدير .
الأمر الأول : فالصيام عبودية لله ، وامتثال لأوامره ، واتقاء لحرماته ، ولهذا جاء في الحديث القدسي : « كل عمل آدم له إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي » فشعور الإنسان بالعبودية لله عز وجل ، والاستسلام لأمره وحكمه ، وهو أسمى أهداف العبادة وأقصى غاياتها ، بل هو الأصل والأساس الذي ترتكز عليه حكمة خلق الإنسان { وأمرنا لنسلم لرب العالمين } [ الأنعام : 71 ] .
الأمر الثاني : الأمر الثاني من حكمة مشروعية الصيام ، هي تربية النفس ، وتعويدها على الصبر وتحمل المشاق في سبيل الله ، فالصيام يربي قوة العزيمة وقوة الإرادة ، ويجعل الإنسان متحكما في أهوائه ورغباته ، فلا يكون عبدا للجسد ، ولا أسيرا للشهوة ، وإنما يسير على هدي الشرع ، ونور البصيرة والعقل ، وشتان بين إنسان تتحكم فيه أهواؤه وشهواته فهو يعيش كالحيوان لبطنه وشهوته ، وبين إنسان يقهر هواه ويسيطر على شهوته ، فهو ملاك من الملائكة { ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم } [ محمد : 12 ] .
الأمر الثالث : أن الصوم يربي في الإنسان ، ملكة الحب والعطف والحنان ، ويجعل منه إنسانا رقيق القلب ، طيب النفس ، ويحرك فيه كامن الإيمان ، فليس الصيام حرمانا للإنسان عن الطعام والشراب ، بل هو تفجير للطاقة الروحية في نفس الإنسان ، ليشعر بشعور إخوانه ، ويحس بإحساسهم ، فيمد إليهم يد المساعدة والعون ، ويمسح دموع البائسين ، ويزيل أحزان المنكوبين ، بما تجود به نفسه الخيرة الكريمة التي هذبها شهر الصيام ، ولقد قيل ليوسف الصديق عليه السلام : « لم تجوع وأنت على خزائن الأرض فقال : أخشى إن أنا شبعت أن أنسى الجائع » .
الأمر الرابع : أن الصوم يهذب النفس البشرية ، بما يغرسه فيها من خوف الله جل وعلا ، ومراقبته في السر والعلن ، ويجعل المرء تقيا نقيا يبتعد عن كل ما حرم الله ، فالسر في الصوم هو الحصول على ( مرتبة التقوى ) والله تبارك وتعالى حين ذكر الحكمة من مشروعية الصيام قال : { لعلهم يتقون } ولم يقل ( لعلكم تتألمون ) أو ( لعلكم تجوعون ) أو ( لعلكم تصحون ) والتقوى هي ثمرة الصيام التي يجنيها الصائم من هذه العبادة ، وهي إعداد نفس الصائم للوقوف عند حدود الله ، بترك شهواته الطبيعية المباحة ، امتثالا لأمره واحتسابا للأجر عنده ، وهذا هو سر الصيام وروحه ومقصده الأسمى ، الذي شرعه الله من أجله ، كما بينه في كتابه العزيز ، فلله ما أسمى الصيام ، وما أروع حكمة الله في شرعه العادل الحكيم!!